تخيل أن يكون لك حق امتلاك شيء لا تستطيع إمساكه بين يديك، كأن تحوز على عقد تملّك لفكرة ما في رأس أحدهم، أو لجزيئات هواء في غرفة عتيقة مغلقة منذ الأزل.. يبدو هذا ضربا من الجنون المطلق، بالرغم من أن هذا هو أقرب تصوير للتقنية التي سنخوض في تفاصيلها في هذا المقال.
من بين كل الإستحداثات التي تظهر باستمرار في العالم الرقمي و التي لا تتوانى عن إبهارنا الواحدة تلو الأخرى، يعد Bitcoin أهم ما قد ظفر به عالم العملات الرقمية. و بتغيير Facebook إسمه إلى Meta، أصبح العالم الإفتراضي أقرب ما يكون إلى الواقع و ظهرت أمامنا لوحات قرود تباع بملايين الدولارات. فإذا كنت ممن لم يفهموا بعد هذا الشيء الذي أصبح الجميع يتحدث عنه، أنت في المكان الصحيح.
لنفهم أولا ما الذي يعنيه Metaverse ؟
Metaverse هو عالم افتراضي تتم فيه تهيئة حياة الجيل القادم. فإذا كان استخدامنا للإنترنت حتى الآن منحصرا في التواصل مع الأصدقاء على مواقع التواصل الإجتماعي مثلا، ففي عالم Meta Wars سيكون لكل فرد تشخيص ثلاثي الأبعاد خاص به يمكنه التواصل من خلاله عن طريق نظارات الواقع الافتراضي. ستتمكن من اللعب مع أصدقائك تمامًا كما هو الحال في الواقع، كما تستطيع الذهاب إلى النوادي الرياضية و حضور حفلة راقصة، و يمكنك أيضا شراء ما يحلو لك من الملابس و الأشياء الفاخرة و العقارات لشخصيتك الإفتراضية.
أما إذا كنت طبيباً، فقد أصبح بإمكانك أن تتدرب ضمن التطبيق على جميع العمليات التي تندرج ضمن اختصاصك. إضافة إلى هذا، لن نضطر بعد الآن إلى عقد اجتماعاتنا عبر Zoom، إذ سنتمكن من الحضور بشخصياتنا إلى مكان افتراضي والتواجد معًا في الاجتماع!
يبدو لك هذا خياليا جدا، صحيح؟
رغم أن الأمر كان مشابها قبل 30 عامًا إذا أخبرك أحدهم أنه سيأتي اليوم الذي يمكنك فيه إجراء مكالمات فيديو من هاتفك المحمول و على الشبكات الاجتماعية و اجتماعات Zoom و غيرها.. عموما انظر حولك: هل يعيش أطفالك نفس الطفولة التي عشتها؟ الجواب واضح في ظل التغيّر الكبير الذي يسير العالم باتجاهه، لذا بدلاً من دفن رأسك في الرمل محاولا تجاهل الحقيقة، من الأفضل لك الإستعداد جيداً لهذا التغيير و محاولة الإستفادة من الفرصة الفريدة التي تظهر أمامك.
و لكن ماعلاقة هذا بالعملات الرقمية؟
تعد المركزية التي تقوم عليها سياسة الإنترنت اليوم مشكلة أساسية، إذ أنها تضع كل السلطة في أيدي الشركات العملاقة عن طريق خوادم Google أو Facebook، فبمجرد أن يتحكم Facebook في شخصيتك الرقمية، ستكون عرضة لتأثيرات مدمرة نتيجة لانتهاك خصوصيتك، و كمثال على ذلك:
إذا اشتريت بدلة مميزة في عالم Metaverse، سيتعين عليك شراؤها مباشرة من Facebook، و يمكنك الاستمتاع بها طالما أنها مكتوبة على خوادم الموقع. لكن ماذا سيحدث إذا تم انتهاك خصوصيتك على Facebook؟ هذا هو السؤال الذي عليك طرحه بالتأكيد، لأن أي انزلاق في التحكم في مثل هذا الواقع الثوري الجديد يمكن بالتأكيد أن يكون خطيرا، خصوصا و أن جهات مختصة من ضمن شركة Facebook أوضحت أن الهدف الرئيسي للشركة هو الربح و لا يهمها سلامة المستخدمين ابداً.
هذا هو بالضبط المكان الذي يبرز فيه عالم التشفير و التوجه المجنون لـ NFT.
NFT هو اختصار للرمز غير القابل للإستبدال، و قد تم إنشاؤه بغرض استعماله في تجارة الأعمال الفنية و الرقمية و أي شيء ذي قيمة عاطفية و اجتماعية. يقول مطورو عملة Ethereum الذين طوروا معيار ERC721 + ERC725 (مجموعة من القواعد لرموز NFT) أن ما يحدث الآن في هذا العالم ما هو مزحة، كما أكدوا أن رسومات القرود التي تباع بملايين الدولارات لم تكن يوما جزءً من الهدف. لذا من المهم معرفة أن مجال NFT وُجد ليبقى، و لكن حتما ليس على شكله الحالي.
ماذا عن شراء NFT؟
من المهم أن تدرك قبل أن تهمّ بالتقاط بطاقتك الإئتمانية أن هذه الرموز لا تُشترى إلا بالعملات الرقمية، لذلك فإن امتلاكك محفظة رقمية لتداول العملات الرقمية يعد الخطوة الأولى لهذه العملية.
أما إذا كنت قد تجاوزت هذه المرحلة فأنا أهنئك، و أعلمك بأن الأمر بسيط جدا، إذ يمكنك الاحتفاظ بكمية من Ethereum في محفظة تدعم NFT (على سبيل المثال MetaMask) و من خلال منصات مخصصة مثل OpenSea، يمكنك إجراء عمليات شراء مختلف الأعمال بطريقة سهلة و بسيطة.
فإذا اشتريت بواحد Ethereum لوحة لفنان مشهور، سوف يتم نقل Ethereum إلى البائع من خلال العقد الذكي، و في المقابل تتلقى الرمز الذي يربط القطة بك. بهذه الطريقة يتم إنشاء إثبات الملكية، و أنك اشتريت القطة بالسعر الذي دفعته في المقابل، و بهذا أصبحت ملكك إلى الأبد.
إذا فالرموز غير القابلة للاستبدال أو الـ NFT يمكن أن تكون أيّ شيء، ويستطيع أيّ شخص أن يبيع أيّ محتوى رقمي يملكه على أنّه NFT.
استخدام الـ NFT على أرض الواقع :
تجد الشركات الكبرى في عالم الموضة مشكلة جدّية في التعامل مع التقليد. و من المفترض أن يضع NFT حداً لهذه المسألة من خلال حصول مقتني حقيبة Louis Vuitton مثلا على رمز غير قابل للتغيير يثبت أن الحقيبة فعلا خاصة به، و من ثم سيكون قادرًا على بيعها لشخص آخر. عند عملية البيع، سينتقل الرمز المميز و المنتج إلى المشتري. عن طريق قاعدة البيانات الضخمة التي يتوجب إنشاؤها، ستتمكن شركات الأزياء من تتبع منتجاتها، وستعلم أنت بصفتك مشتري، أنك اشتريت شيئا أصليا.
الآن إذا قفزنا بتفكيرنا إلى المرحلة التالية.. تتبادر إلى أذهاننا فكرة أنه لن يتعين علينا الذهاب إلى صناديق الاقتراع بعد الآن، إذ سيكون من الممكن إجراء الانتخابات باستخدام رمز NFT!
دعني أخبرك بأن هذا وارد طبعا، إذ أنك ستتلقى رمزا مميزا يمكنك من خلاله التصويت عبر الإنترنت بطريقة أكثر أمانا من دون الكشف عن هويتك.
هل NFT في منأى عن المشاكل؟
للأسف لا، واحدة من المشاكل الرئيسية التي تتداخل مع معايير NFT الحالية (أساسا على Ethereum و Solana وما إلى ذلك) هي الحاجة إلى وسيط، و قد تبنت منصة OpenSea هذه المهمة. إذ يسمح هذا الموقع الثالث و الغير مركزي لحامل NFT بالبيع و الشراء من خلاله، و بهذا يتم اعتباره وسيطا (و هذا بالضبط ما يحاول عالم التشفير الهروب منه).
يجب أيضا الحديث عن مشكلة النسخ، إذ أنه أصبح بإمكان فنان الويب إنشاء صورة و إعطائها رمزا يوضح ملكيته لها ثم بيعها. تبدأ المشكلة مع نفس الفنان في حالة تكراره الصورة مئات المرات مع إصدار رمز مختلف و فريد لكل صورة، ما يجعل معرفة الصورة الحقيقية أمرا معقدا.
أخيراً و بذكر الأهم، وجب التأكيد على أن جميع هذه المشاكل لها أيضًا العديد من الحلول التي يجري العمل عليها فعليا، و نحن نعلم جيدا أن الـNFT و العملات الرقمية عموما عبارة عن مجال سريع التطور، لذلك نوصي بالاطلاع المستمر على آخر التحديثات في هذا المجال، و توخي الحيطة و الحذر قبل اتخاذ قرار الدخول في هذا المجال.
نحن دوما هنا لمساعدتك على تحديد الخيار الأمثل، فالنقلة التي نمر بها من العالم المادي إلى العالم الافتراضي نوع من الأحداث الإستثنائية، و الأكيد أن التعاملات الرقمية سوف تحتل جزءً كبيرا من حياتنا.