تخيل أنك ذاهب إلى العمل صباحا بعد أن نزلت من بيتك متأخرا لأن المنبه خالف موعده معك، و أنت في الممر ذو الإتجاه الواحد تجد نفسك عالقا في زحمة مرورية خانقة، كيف سيكون حالك حينها؟ سوف تتمنى أن يتم توسيع الطريق أو إنزال ممر إضافي و لو حتى من السماء! هته المقاربة تجسد بالضبط ما يعرف بقابلية التوسع في عالم العملات الرقمية.
تشير “قابلية التوسع” إلى قدرة النظام على النمو لاستيعاب الطلب المتزايد. و تعد “مشكلة قابلية التوسع” أبرز مشاكل شبكة البلوكتشين الخاصة بالبيتكوين، و المقصود بها عدم قدرته على التعامل مع النمو المتزايد للمعاملات التي تتم بالبيتكوين، فهناك حد أقصى من المعاملات التي يمكن معالجتها على البيتكوين، و لو تم حل هته المشكلة لتحققت ملايين المعاملات في الثانية.
و لتوضيح العلاقة بين قابلية التوسع و العملات الرقمية، دع نا نبدأ بتوضيح بعض الأساسيات:
من منا لم يسمع عن Ethereum، ثاني أكبر عملة في عالم العملات الرقمية. تأسست شبكة Ethereum في عام 2015 على يد العبقري الرياضي فيتاليك بوتيرين Vitalik Buterin، و تم تطويرها بوتيرة مذهلة. تنمو شبكة Ethereum كل يوم و تكسب بذلك المزيد من الأموال، حيث يقوم المستخدمون المتزايدون بإجراء معاملات عليها (تحويل العملات المعدنية، إصدار الرموز، إنشاء عقد ذكي، و ما إلى ذلك)، و تقدر قيمة Vitalik Buterin مؤسس الشبكة اليوم بمليارات الدولارات.
حتى الآن يبدو كل شيء ورديًا، لكن شبكة الإيثيريوم علقت في جدار كبير، و هذا لأن الشبكة تعرف كيفية التعامل مع ما يصل إلى حوالي 30 معاملة فقط في الثانية الواحدة.
بالمقارنة و حتى نتمكن من فهم أفضل، تتعامل شركة الائتمان “Visa” مع آلاف المعاملات في الثانية. و لكن ما الذي يجعل شبكة “Visa” سريعة جدًا مقارنة بشبكة Ethereum؟
يعود السبب الرئيسي إلى خاصيتي المركزية و اللامركزية. في شركة Visa، و نظرا لكونها شركة مركزية، يتعين على المدققين فقط الموافقة على المعاملة. في المقابل، تعتبر شبكة Ethereum لا مركزية و تتطلب كل معاملة تتم على الشبكة العديد من عمليات التحقق، مما يؤدي إلى فترات انتظار طويلة و رسوم عالية.
من أجل أن ترتفع شبكة Ethereum إلى المستوى التالي و تكون قادرة على الاندماج في المؤسسات و الشركات، يجب عليها تحسين سرعة معالجة معاملاتها.
سأعود بكم هنا إلى عام 2017، حيث بدأ فيتاليك بوتيرين في البحث عن الحل الذي طال انتظاره و وعد بمليون دولار لمن يجد حلل لهذه المشكلة، عندها بدأ Ethereum 2.0، المعروف أيضًا باسم Eth2 أو “Serenity” في التطور على مر السنين، و هي عبارة عن ترقية خاصة بـ Ethereum إلى blockchain مصممة لتحسين سرعة الشبكة و كفاءتها و قابليتها للتوسع حتى تتمكن من تخفيف الحمل و معالجة المزيد من المعاملات.
لا يزال هذا الحل قيد التطوير و من الواجب تنفيذه بحلول بداية عام 2023 للوصول إلى حوالي 100 ألف معاملة في الثانية، لكن هناك من يدعي أن حل فيتاليك لن ينجح و هناك فرضية تبرر هذا الإدعاء.
مفهوم المثلث المقدس:
هناك معادلة تحدد كفاءة شبكات العملات الرقمية، تتمثل في قدرة الشبكة على توفير ثلاث خصائص أساسية : قابلية التوسع – الأمان – اللامركزية، و بالطبع الاهتمام بعنصرين سيترتب عليه إضعاف الثالث. و هذا بالضبط ما حدث مع شبكة البيتكوين، فقد أولت الأمان و اللامركزية أهمية شديدة دون التوسع.
ببساطة، إذا كنت ترغب في إنشاء مشروع تشفير بأمان ممتاز، فسيتعين عليك التخلي عن السرعة، و إذا كنت ترغب في تحقيق لامركزية عالية، فسيتعين عليك التخلي عن السرعة و قابلية التوسع.
هذه بالضبط هي المشكلة التي يحاول فيتاليك بوتيرين التعامل معها، و هي ليست مشكلته لوحده، إذ تحاول المشاريع الأخرى في مجال العملات الرقمية أيضًا إيجاد حل فعال، لأنه مع مرور الوقت و دخول عالم العملات الرقمية أكثر في حياتنا، اصبح المستخدمون يجدون فيها استخداما فعالا و بديلا للاقتصاد العالمي التقليدي و طريقة آمنة لتبادل و تحويل الأموال.
يُطلق على الاقتصاد العالمي الذي تم إنشاؤه حديثًا اسم Defi، أو اللامركزية المالية. و يفضل المزيد و المزيد من الأشخاص تحويل الأموال باستخدام العملات الرقمية بدلاً من تحويلها من خلال البنك، و هذا بالطبع يخلق عبئًا كبيرًا على الشبكات.
الآن و بعد كل هذا هل أصبح بالإمكان التوصل إلى حل فعال؟
فعلا، الحل هو ما يطلق عليه اسم “الطبقة الثانية”.
الطبقة الثانية هي الطبقة التي تنتقل إليها المعاملات ليتم التحقق منها بطريقة لا تحتاج إلى التحقق من كل معاملة بشكل منفصل. تحدد الطبقة الثانية المعاملات الضارة و تعالجها بأكثر الطرق فعالية، و بالتالي توفر العديد من موارد الحوسبة و تزيد من سرعة الشبكة.
بعد أن تتحقق الطبقة الثانية من المعاملات ، تنضم المعاملات التي تم التحقق منها إلى الطبقة الأولى و يتم تسجيلها على أنها معاملات تم التحقق منها (في دفتر الأستاذ في Ethereum أو bitcoin blockchain).
تختلف بنية حلول الطبقة الثانية اختلافًا كبيرًا عن بعضها البعض و تحتاج إلى أن تفهم بشكل عام ما تقدمه كل طبقة ثانية، و مدى أمانها و ما هي وظيفتها، من أجل اتخاذ قرار بشأن الطبقة الأفضل.
على سبيل المثال، هناك طبقة ثانية تسمى Polygon، و التي تقوم بعمليات متطورة تحافظ على أمان الشبكة و تزيد من سرعة النقل. يتطلب استخدامها دفع رسوم رمزية بعملة الشبكة (Matic) و يزيل الرسوم المرتفعة لشبكة Ethereum.
ما هي المشاريع البارزة المتعلقة بالطبقة الثانية؟
تم استخدام الطبقة الثانية في Bitcoin لعدة سنوات وتسمى شبكة الإضاءة، و هي شبكة من المفترض أن تجعل Bitcoin سريعة و مريحة عند نقل كميات صغيرة.
للعلم، تسمى العمليات التي يتم إجراؤها على شبكات الطبقة الثانية عمليات خارج السلسلة، أي العمليات التي يتم إجراؤها خارج شبكة blockchain الأصلية.
من هم منافسو Ethereum؟
كلما كبرت المشكلة، زادت المنافسة و ظهرت المزيد من المشاريع بهدف محاولة إيجاد حلول. و يعتبر اليوم Cardano (ADA) و EOS (E0S) هم المنافسون الرئيسيون لـ Ethereum، كما أظهر Solana (SOL) و Phantom (FTM) مؤخرا قدرات رائعة.
لماذا لا تزال Ethereum تقود السوق رغم كل هذه المنافسة؟
نظرًا لأن دعم المطورين مرتفع جدًا، فإن عمال مناجم Ethereum ليسوا مستعدين للتخلي عن معدات التعدين باهظة الثمن، المشاكل التنظيمية، و العديد من المشاريع التي تعتمد على شبكة Ethereum و تواجه صعوبة في الانتقال إلى شبكة جديدة.
ختامًا، و بعد أن جمعنا لك أهم المعلومات عن قابلية التوسع أو النمو في العالم الرقمي، دعني أخبرك سرا خطيرا: بإمكانك الإستفادة من قابلية التوسع للدفع بحياتك إلى مستوى آخر، ففي حين ينظر البعض إلى التوسع على أنه خطوة فوضوية و مجهدة، إلا أنه يعتبر في بعض الأحيان خطوة لا بد منها. أيا كان خيار استراتيجية التوسع الذي تنوي تبنيه، تعامل مع التوسع الجديد بموضوعية و باعتباره مشروعا كاملا يستدعى كل الاهتمام و المتابعة، ضع إطارا شاملا للتوسع لكي يتم بنجاح و يمثل إضافة ناجحة لمجمل أعمالك، و لا تنسى أننا دوما معك لتقديم الدعم اللازم في حال قررت أن تتوسع في عالم العملات الرقمية.